سورة القصص - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)}
{فَارِغاً} صفراً من العقل. والمعنى: أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها لما دهمها من فرط الجزع والدهش. ونحو قوله تعالى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} [إبراهيم: 43] أي جوّف لا عقول فيها ومنه بيت حسان:
أَلاَ أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنِّي *** فَأَنْتَ مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هَوَاءُ
وذلك أن القلوب مراكز العقول. ألا ترى إلى قوله: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46] ويدل عليه قراءة من قرأ: فرغاً. وقرئ: {قرعاً} أي خالياً من قولهم: أعوذ بالله من صفر الإناء وقرع الفناء. وفرغاً، من قولهم: دماؤهم بينهم فرغ، أي هدر، يعني: بطل قلبها وذهب، وبقيت لا قلب لها من شدّة ما ورد عليها {لَتُبْدِى بِهِ} لتصحر به. والضمير لموسى والمراد بأمره وقصته، وأنه ولدها {لَوْلا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا} بإلهام الصبر، كما يربط على الشيء المنفلت ليقرّ ويطمئن {لِتَكُونَ مِنَ المؤمنين} من المصدقين بوعد الله، وهو قوله: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} إليك ويجوز: وأصبح فؤادها فارغاً من الهم، حين سمعت أن فرعون عطف عليه وتبناه إن كادت لتبدي بأن ولدها؛ لأنها لم تملك نفسها فرحاً وسروراً بما سمعت، لولا أنا طامنا قلبها وسكنَّا قلقه الذي حدث به من شدّة الفرح والابتهاج، لتكون من المؤمنين الواثقين بوعد الله لا بتبني فرعون وتعطفه. وقرئ: {مؤسى}، بالهمزة: جعلت الضمة في جارة الواو وهي الميم كأنها فيها، فهمزت كما تهمز واو وجوه {قُصّيهِ} اتبعي أثره وتتبعي خبره. وقرئ: {فبصرت} بالكسر يقال بصرت به عن جنب وعن جنابة، بمعنى: عن بعد. وقرئ: {عن جانب}، {وعن جنب}. والجنب: الجانب. يقال: قعد إلى جنبه وإلى جانبه، أي: نظرت إليه مزورة متجانفة مخاتلة. {وهم لا يشعرون} وهم لا يحسون بأنها أخته، وكان اسمها مريم.


{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)}
التحريم: استعارة للمنع؛ لأنّ من حرم عليه الشيء فقد منعه. ألا ترى إلى قولهم: محظور. وحجر، وذلك لأن الله منعه أن يرضع ثدياً، فكان لا يقبل ثدي مرضع قط، حتى أهمهم ذلك. والمراضع: جمع مرضع، وهي المرأة التي ترضع. أو جمع مرضع، وهو موضع الرضاع يعني الثدي أو الرضاع {مِن قَبْلُ} من قبل قصصها أثره. روي أنها لما قالت: {وَهُمْ لَهُ ناصحون} قال هامان: أنها لتعرفه وتعرف أهله، فقالت: إنما أردت وهم للمك ناصحون والنصح: إخلاص العمل من شائب الفساد، فانطلقت إلى أمها بأمرهم، فجاءت بها والصبيّ على يد فرعون يعلله شفقة عليه وهو يبكي يطلب الرضاع، فحين وجد ريحها استأنس والتقم ثديها، فقال لها فرعون: ومن أنت منه فقد أبى كل ثدي؟ إلا ثديك؟ قالت: إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن، لا أوتي بصبي إلا قبلني، فدفعه إليها وأجرى عليها، وذهبت به إلى بيتها، وأنجز الله وعهده في الردّ، فعندها ثبت واستقرّ في علمها أن سيكون نبياً. وذلك قوله: {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} يريد. وليثبت علمها ويتمكن.
فإن قلت: كيف حل لها أن تأخذ الأجر إلى إرضاع ولدها؟ قلت: ما كانت تأخذه على أنه أجر على الرضاع، ولكنه مال حربيّ كانت تأخذه على وجه الاستباحة. وقوله: {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} داخل تحت علمها. المعنى: لتعلم أن وعد الله حق، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أنه حق فيرتابون. ويشبه التعريض بما فرط منها حين سمعت بخبر موسى، فجزعت وأصبح فؤادها فارغاً يروى أنها حين ألقت التابوت في اليم جاءها الشيطان فقال لها: يا أم موسى، كرهت أن يقتل فرعون موسى فتؤجري، ثم ذهبت فتوليت قتله، فلما أتاها الخبر بأن فرعون أصابه قالت: وقع في يد العدوّ، فنسيت وعد الله. ويجوز أن يتعلق {ولكن} بقوله: {وَلِتَعْلَمَ} ومعناه: أن الردّ إنما كان لهذا الغرض الديني، وهو علمها بصدق وعد الله. ولكنّ الأكثر لا يعلمون بأن هذا هو الغرض الأصلي الذي ما سواه تبع له من قرّة العين وذهاب الحزن.


{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)}
{واستوى} واعتدل وتمّ استحكامه، وبلغ المبلغ الذي لا يزاد عليه، كما قال لقيط:
واستحملوا أَمْرَكُمْ لِلهِ دَرُّكُمُو *** شَزْرَ الْمَرِيرَةِ لا قَمحاً وَلاَ ضَرَعَا
وذلك أربعون سنة، ويروى: أنه لم يبعث نبيّ إلا على رأس أربعين سنة. العلم. التوراة. والحكم: السنة. وحكمة الأنبياء: سنتهم. قال الله تعالى: {واذكرن مَا يتلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءايات الله والحكمة} [الأحزاب: 34] وقيل: معناه أتيناه سيرة الحكماء العلماء، وسمتهم قبل البعث، فكان لا يفعل فعلاً يستجهل فيه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8